vendredi 24 juin 2011

الشعب يريد إسقاط الديمقراطية

الكاتب: وحيد عبد المجيد

من الطبيعى أن يقل الطلب الشعبى على الديمقراطية، حين ترى قطاعات متزايدة من الناس أنها ليست سوى جعجعة بلا طحن. وهذا هو ما يشعر به كثير من المصريين الآن، شارك ملايين منهم فى ثورة 25 يناير، بأشكال ودرجات مختلفة، وتطلع غيرهم إلى عصر جديد ينعمون فيه بالديمقراطية بعد استبداد طال أمده. ولذلك خرجوا من ذواتهم الخاصة إلى المجال العام، وأقبلوا على السياسة كما لم يفعلوا وأسلافهم من قبل.

ولكنهم لم يجدوا حتى الآن إلا فوضى سياسية آخذة فى الازدياد، وأحزاباً وجماعات تثير صراعاتها صخباً، وحركات وائتلافات تتكاثر كالفطر على نحو لا يفهمون له معنى ولا منطقاً. ولا يجد مصريون كثر مبرراً مقنعاً لتصاعد الصراع بشأن ما إذا كان الدستور يسبق الانتخابات أم العكس، ولذلك يزداد اقتناعهم يوما بعد يوم بأن الطريق إلى الديمقراطية مازال طويلاً بعد أن ظنوا أنه أصبح «فركة كعب»، بعد ثورة ضد الاستبداد والظلم والفساد.

وحين يستمر مثل هذا الوضع، يتراجع الأمل فى الديمقراطية.. كما يقل الإيمان بجدواها، وقد يتحول كفراً بها.. وهذا هو درس التاريخ الذى كان لنا نصيب منه قبل ما يقرب من ستة عقود.

كانت «إقامة حياة ديمقراطية سليمة» أحد أهداف ثورة 1952، ولكن هذا الهدف سُحب من التداول عام 1954، لأن الشعب لم يتمسك به، وليس فقط لأن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، أراد الانفراد بالسلطة. كفر قطاع واسع من الشعب حينئذ بالديمقراطية، عندما عجز عن فهم منطق الصراعات التى تصاعدت فى مشهد لا يختلف كثيراً فى جوهره عن حالنا الراهن، بالرغم من أن التفاصيل كلها اختلفت.

ولو لم يكفر الشعب بالديمقراطية، ويطالب جزء منه بإسقاطها، وبعدم عودة الحياة النيابية، لما تمكن عبدالناصر أو غيره من إقامة نظام فردى أحادى، تحول بعد ذلك إلى حكم استبدادى، وليت النخب التى ضلت طريقها إلى الديمقراطية تمعن النظر فى استقالة خالد محيى الدين من مجلس قيادة الثورة فى آخر مارس 1954، التى حصلت عليها «المصرى اليوم»، ونشرتها قبل أيام، حتى لا يكرر التاريخ نفسه فى صورة أخرى، فهذه وثيقة تؤكد أن ما حدث على مدى 20 شهراً بعد ثورة 1952 دفع الكثير من المصريين إلى الكفر بالديمقراطية، فلم يستقل «محيى الدين»، لأن زملاءه انقلبوا على الديمقراطية فقط، بل لأن الشعب لم يعد راغباً فيها - حسب ما جاء فى نص استقالته: (لقد اتضح أن الشعب لا يرغب فى عودة الحياة النيابية الآن).

وهذا درس ينبغى أن ننتبه إليه، فعندما لا يثق الناس فى النخب السياسية المنقسمة، والأحزاب والجماعات، التى يضع معظمها مصالحه فوق كل شىء، لابد أن يستيقظوا من حلمهم الديمقراطى.

وحين يزداد اقتناعهم بأن هذه الأحزاب والجماعات غير مؤهلة لبناء نظام ديمقراطى فاعل قادر على معالجة الأزمات الكبرى من الأمن إلى الاقتصاد، مروراً بمختلف مناحى الحياة، يصبح التطلع إلى حاكم قوى يستطيع تحقيق ذلك هو الحل.

وفى مثل هذه الحالات، تظهر فكرة «المستبد العادل»، التى تأخذ أشكالاً مختلفة، فليس شكلها الذى أخذته بعد ثورة 1952 هو الوحيد، فلهذه الفكرة تجليات شتى فى الواقع، كما فى الفكر، وهى ليست محض شرقية، بخلاف ما يظنه البعض، بل يعود أصلها إلى الفيلسوف الفرنسى «جان بودان»، الذى عبر عن مضمونها فى كتاب «الجمهورية» عام 1576، ولكن دون أن يستخدم اسمها الذى عُرفت به بعد ذلك.

المهم هنا، أن التطلع إلى «المستبد العادل» يبدأ عادة عندما يتراكم الإحباط من نظام ديمقراطى، أو يشتد العجز عن إقامته فى الوقت الذى تشتد فيه معاناة الناس ويقل صبرهم إلى أن ينفد، وحين تظهر هذه الفكرة، فهى تبدو برَّاقة فى حينها فتداعب الخيال الجمعى لدى الشعوب التى لم تترسخ لديها الثقافة الديمقراطية، خصوصاً حين تجد أن الحرية التى تطلعت إليها لا تحقق لها أمناً، ولا توفر لها خبزاً، ولا حتى مشاركة سياسية حقيقية.

وبالرغم من أن التجارب التى مر بها كثير من الشعوب، بما فيها شعبنا، أثبتت عدم إمكان تحقيق العدالة عبر مبادلتها بالحرية، فإن هذا لا يكفى لضمان عدم الكفر بالديمقراطية حين لا يجد الناس مكانا لهم فيها، ولا عائد لها يعود عليهم، فالإنسان ليس عقلانياً دائماً إلى الحد الذى يحصِّنه ضد السير فى الطريق الخطأ أكثر من مرة.

ولذلك وجب تنبيه المنغمسين فيما يراه كثير من الناس فوضى سياسية تنذر بعجز ديمقراطى، قبل أن يفاجئهم قطاع واسع من الشعب بتفضيل سلطة تحكم بقبضة من حديد وتعد بالعدل والنزاهة، وعندئذ قد لا يصبح شعار «الشعب يريد إسقاط الديمقراطية» عجيباً أو بعيداً عن الواقع.
http://www.almasryalyoum.com/print/471015

Aucun commentaire: